درس حول
آثار تطبيق اتفاقيات المنظمة
العالمية للتجارة على صناعة الأدوية
واقع سوق الأدوية في الجزائر
تعد صناعة الأدوية واحدة من أهم الصناعات في
العالم، ليس فقط بسبب أهمية الدواء كسلعة تتعلق بصحة الإنسان وحياته، وإنما في
الأساس بسبب تكاليف وأسرار أنشطة البحوث والتطوير (R&D) وما يتبع ذلك من أرباح هائلة وقيمة مضافة عالية تحققها هذه
الصناعة، بحيث أصبحت في الوقت الحالي تقارن بصناعة الأسلحة من حيث أسرارها
وأرباحها، وبالرغم من أن صناعة الدواء في الجزائر تعتبر متقدمة نوعا ما مقارنة
بغيرها من الصناعات إلا أنها تواجه تحديات كثيرة منها وضعية الدواء على المستوى
الدولي والمتغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية وحتى الوطنية الآخذة في البزوغ
يوما بعد يوم، ومن أبرز التحديات التي يستوجب على صناعة الدواء الوطنية مجابهتها
نجد اتفاقية حقوق الملكية الفكرية (TRIPS) والتي تعمل المنظمة العالمية للتجارة على ضمان تنفيذ مختلف
بنودها على كل الدول الأعضاء فيها، وباعتبار أن الجزائر قد قطعت شوطا كبيرا في
المفاوضات بغية الانضمام لهذه المنظمة فإنها ستكون ملزمة بتطبيق كل الاتفاقيات
التي جاءت بها ومنها اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية.
وعليه فإن هذه الاتفاقية تطرح تحديا جديدا
أمام صناعة الأدوية الجزائرية، فقد نصت هذه الاتفاقية على حماية كل من المنتج
النهائي وكذا طريقة التصنيع لمدة زمنية قدرها (20) عشرون عاما، كما قدمت الاتفاقية
حماية لكافة أنواع براءات الاختراع ولكافة حقوق التكنولوجية والمعرفة الفنية،
طالما أن الاختراع مسجل كاختراع جديد
وقابل للتطبيق والاستغلال صناعيا وتجاريا.
كما أن الاتفاقية قد منحت لصاحب براءة
الاختراع الحق في التخلي على البراءة أو نقل حقها، كما أن له الحق في إبرام عقود
التراخيص والتعامل بشأنها، وترتيبا على ذلك فإن صناعة الأدوية في الجزائر لن
تستطيع أن تركن إلى حماية الدولة بعد أن يبدأ سريان تطبيق الاتفاقية، كما أنها
ستتعرض لمنافسة قوية من طرف المنتجات الأجنبية المنتجة في مخابر عالمية معروفة، أو
التي سينتجها الاستثمار الأجنبي (IDE) الذي سيقام في الجزائر.
وتعتبر صناعة الأدوية في
الجزائر حديثة العهد، كما أنها مازالت في مراحلها الأولى، وتسيطر في هذا المجال
مؤسسة صيدال العمومية والمعروفة باسم "مجمع صيدال Saidal"، بمختلف وحداتها الإنتاجية الموزعة عبر بعض الولايات.
واقع سوق الأدوية في الجزائر
يعتبر سوق الأدوية كقطاع
اقتصادي ذو أهمية كبيرة في كل بلدان العالم، وهو ذو حساسية خاصة بالنسبة للسلطات
العمومية، وذلك لوزنه من الناحية الاقتصادية والمالية وكذا لخصوصيته الاجتماعية،
حيث نجد في الدول المتقدمة اهتمام كبير بالتحكم في النفقات العمومية للصحة
والمحافظة على نظام التأمينات الاجتماعية، بينما في الدول النامية فإن اهتمام الدولة
ينصب أساسا على توفير الأدوية للمواطن وضمان الخدمات والرعاية الصحية.
وباعتبار الدواء سلعة كغيره من السلع
الاستهلاكية فإنه يخضع لقواعد السوق ولضغوط اقتصادية داخلية وخارجية، فالضغوط
الداخلية تتلخص أساسا في رغبة السلطات العمومية في ترشيد هذا القطاع وتأقلمه مع
السياسة الوطنية للصحة التي ترمي إلى ضمان توفير الأدوية للمواطن وتوفير العلاج
والرعاية الصحية، نظام التعويض على التأمين الاجتماعي، تقليص حجم فاتورة الاستيراد
للأدوية، وتطوير الصناعة الوطنية للأدوية.
أما الضغوط الخارجية والمتمثلة
أساسا في الالتزامات التي وقعت عليها الجزائر خاصة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي
الذي دخل حيز التنفيذ في 01 سبتمبر 2005، وكذا المفاوضات الجارية مع المنظمة
العالمية للتجارة قصد الانضمام إليها والتي تفرض علينا بالضرورة احترام وتطبيق كل
الاتفاقيات التي جاءت بها، والتي تفرض علينا ضرورة إصلاح هذا القطاع كغيره من
القطاعات الاقتصادية وتعديل التشريعات الوطنية المنظمة له حتى تتماشى مع المتطلبات
والالتزامات الموقع عليها من طرف الجزائر.
وعليه سنحاول في هذا المبحث التطرق إلى تنظيم سوق الأدوية في الجزائر، ثم
تطور حجم السوق بفعل تحرير القطاع، وفي الأخير نتطرق إلى نظام التسعير للأدوية
ونظام التعويض لها في الجزائر.
التطور التاريخي لسوق الأدوية في
الجزائر.
إن قطاع الأدوية في الجزائر
بنقاط قوته ونقاط ضعفه عكس بوضوح مختلف السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الجزائر
منذ الاستقلال سنة 1962 وإلى اليوم، وقد مر بمرحلتين هامتين هما:
المرحلة الأولى:
وتتمثل في وجود نمط تسيير
مركزي ومباشر للقطاع من طرف الإدارة المركزية والمتمثلة في الصيدلية المركزية
الجزائرية (P.C.A)، والتي وضعت
تحت السلطة المباشرة للوزير المكلف بالصحة العمومية، حيث كانت (P.C.A) مسؤولة كلية عن تسيير سوق الأدوية من جانب الإنتاج، الاستيراد
والتوزيع بالجملة. ومع بداية الثمانينات فإن مباشرة الإصلاحات الاقتصادية في
الجزائر والتي مست القطاع العمومي وبالتحديد كل المؤسسات الاقتصادية الكبرى، فإن
هذه المؤسسة الوطنية (P.C.A) قد تم تجزئتها
إلى ثلاث مؤسسات فرعية جهوية وهي:
- Encopharm والمتواجدة في الشرق الجزائري.
- Enapharm والمتواجدة في الوسط الجزائري.
- Enopharm والمتواجدة في الغرب الجزائري.
وأصبحت هذه المؤسسات الجهوية
الثلاثة تشرف مباشرة على تسيير وتنظيم سوق الأدوية وضمان تموينه بالأدوية
الضرورية، وذلك بإشراف مباشر من الوزارة الوصية (وزارة الصحة)، كما أن هذه
المؤسسات الثلاثة كانت تعاني بحدة من نقص العملة الصعبة للقيام بعمليات الاستيراد
وكذا من صعوبات الحصول عليها، وهو ما أدى إلى وجود نقص فادح ومستمر للأدوية
واضطرابات في عمل نظام القطاع الصحي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن
الإنتاج الوطني ورغم وجود إنفاق كبير عليه بإنشاء مؤسسة ضخمة لصناعة الأدوية، إلا
أنه لم يكن في المستوى المطلوب لأسباب متعددة عرفتها كل المؤسسات الاقتصادية
العمومية.
المرحلة الثانية:
تتمثل هذه المرحلة في اعتماد الجزائر
على انفتاح تدريجي لسوق الأدوية الوطني، والتي بدأت بصدور قانون المالية التكميلي
لسنة 1990 في شهر جويلية، والذي يسمح للوكلاء الأجانب بالتوطن في الجزائر وممارسة
نشاطات اقتصادية ومنها في مجال الأدوية، حيث ظهر بموجب هذا القانون وكلاء محليون
لمؤسسات أجنبية منتجة للأدوية وكذا تواجد فروع أجنبية بالجزائر، ويوجب هذا القانون
من كل الوكلاء أن يقوموا بعملية استثمار منتج فيما بعد للأدوية، وقد واجهت هذه
المؤسسات مع بداية نشاطها جملة من القيود نذكر منها:
أ/ وجود نظام رقابة صارمة على الواردات
من طرف الوصاية، وقيود كبيرة على الصرف الأجنبي نتيجة الأزمة المالية التي عاشتها
الجزائر.
ب/ وجود إلزامية القيام بعملية التصنيع
من طرف هؤلاء الوكلاء المستوردين والموزعين للأدوية بموجب هذا القانون، الأمر الذي
كان غير ممكن في قطاع حساس ومعقد كقطاع الأدوية وخصوصا مع بداية التسعينات.
جـ/ عدم وجود تشريعات كافية تسمح للخواص
باقتحام قطاع صناعة الأدوية بكل أمان واطمئنان، حيث هناك مخاطر كبيرة مرتبطة
بحماية الصحة العمومية لم تكن لتسمح بذلك.
لكن ومع بداية سنة 1995 وشروع الجزائر في تطبيق
برنامج التعديل الهيكلي وتحرير التجارة الخارجية أمام مختلف القطاعات الاقتصادية،
بدأ فعليا تحرير قطاع الأدوية تدريجيا وقد ساعد على ذلك ما يلي:
-
وجود قابلية التحويل للعملة الوطنية.
-
وجود تخفيضات هامة في الرسوم الجمركية على
السلع.
-
تحرير قطاعات اقتصادية هامة كالنقل، الاتصالات
والنفط.
-
تسهيل عملية وإجراءات الاستثمار الوطني
والأجنبي.
-
توقيع الاتفاق الإطار للشراكة مع الاتحاد
الأوربي.
وبهذه الإجراءات شهد قطاع الأدوية
تطورات هامة ميزتها ما يلي:
أ/ وجود جهود كبيرة ومعتبرة من طرف
الإدارة العمومية في المجال التقني والتشريعي لتحرير قطاع الأدوية ونجد فيها:
توضيح الإجراءات الخاصة باعتماد الوكلاء في مجال التوزيع وكذا الإنتاج، إحداث مخبر
وطني لمراقبة الأدوية، وضع دفتر شروط خاص لمستوردي الأدوية وكذا وجود إجراءات خاصة
بكيفية تحديد أسعار الأدوية.
ب/ تزايد سريع لعدد المتدخلين الخواص في
سوق الأدوية سواء في مجال الاستيراد أو التوزيع بالجملة، والتي لم تكن مع مطلع
التسعينات، حيث نجد اليوم أكثر من 60 متعامل في مجال الاستيراد وأكثر من 400
متعامل في تجارة الجملة للأدوية عبر التراب الوطني.
جـ/ ظهور سيطرة جديدة للقطاع الخاص على
سوق الأدوية في مجال الاستيراد والتوزيع وتراجع دور المؤسسات العمومية الجهوية
الثلاثة.
مما سبق يتضح المسار
التاريخي لتنظيم سوق الأدوية في الجزائر ومميزات كل مرحلة مر بها القطاع، وتبرز
بالتالي مختلف التحديات التي تواجهه في ظل إبرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي
وكذا مسار المفاوضات للانضمام للمنظمة العالمية للتجارة.
الى هنا نكون قد قدمنا لكم هذا
الوضوع ليكون اضافة في سرح المعرفة للتلاميد و الاساتذة .... اتمنى ان يكون في
متناول الجميع ....
اذا واجهتك أي مشكل او تسائل
ضعه في تعليق اسفل الموضوع و سنجيبكم على كل التسائلات باذن الله ....
ان اعجبك الموضوع لا تنسى
بمتابعتنا بالنقر على متابعة بالبريد الالكتروني في اسفل الموضوع حتى يصلكم كل
جديد في موقع مدونة المتخصص في الاقتصاد ...
يمكنكم
متابعة ايضا المواقع التالية كمصدر لاهم المعلومات .....
زورو المواقع التالية